قصه ابكت العالم

موقع أيام نيوز

طلب مني سالم مصحفا.. استغربت !!
كيف سيقرأ وهو أعمى كدت أن أتجاهل طلبه.. لكني جاملته خوفا من چرح مشاعره.. ناولته المصحف.. طلب مني أن أفتح المصحف على سورة الكهف.. أخذت أقلب الصفحات تارة.. وأنظر في الفهرس تارة.. حتى وجدتها.. أخذ مني المصحف..
ثم وضعه أمامه.. وبدأ في قراءة السورة.. وعيناه مغمضتان.. يا الله !! إنه يحفظ سورة الكهف كاملة !! خجلت من نفسي.. أمسكت مصحفا.. أحسست برعشة في أوصالي.. قرأت.. وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني..
لم أستطع الاحتمال.. فبدأت أبكي كالأطفال.. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة.. خجلت منهم.. فحاولت أن أكتم بكائي.. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق.. لم أشعر إلا بيد صغيرة تتلمس وجهي..
ثم تمسح عني دموعي.. إنه سالم !! ضممته إلى صدري.. نظرت إليه.. قلت في نفسي.. لست أنت الأعمى.. بل أنا الأعمى.. حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى الڼار.. عدنا إلى المنزل.. كانت زوجتي قلقة كثيرا على سالم..
لكن قلقها تحول إلى دموع حين علمت أني صليت الجمعة مع سالم..
من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جمعة في المسجد.. هجرت رفقاء السوء..
وأصبحت لي رفقة خيرة عرفتها في المسجد.. ذقت طعم الإيمان معهم.. عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا.. لم أفوت حلقة ذكر أو صلاة الوتر..
ختمت القرآن عدة مرات في شهر.. رطبت لساني بالذكر لعل الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من الناس.. أحسست أني أكثر قربا من أسرتي..
اختفت نظرات الخۏف والشفقة التي كانت تطل من عيون زوجتي.. الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم.. من يراه يظنه ملك الدنيا وما فيها.. حمدت الله كثيرا على نعمه..
ذات يوم.. قرر أصحابي الصالحون أن يتوجهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة..
ترددت في الذهاب.. استخرت الله.. واستشرت زوجتي.. توقعت أنها سترفض.. لكن حدث العكس ! فرحت كثيرا.. بل شجعتني..فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها فسقا وفجورا.. توجهت إلى سالم.. أخبرته أني مسافر.. ضمني بذراعيه الصغيرين مودعا..
تغيبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف.. كنت خلال تلك الفترة أتصل كلما سنحت لي الفرصة بزوجتي وأحدث أبنائي.. اشتقت إليهم كثيرا.. آآآه كم اشتقت إلى سالم !!
تمنيت سماع صوته.. هو الوحيد الذي لم يحدثني منذ سافرت.. إما أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.. كلما حدثت زوجتي عن شوقي إليه.. كانت تضحك فرحا وبشرا.. إلا آخر مرة هاتفتها فيها.. لم أسمع ضحكتها المتوقعة.. تغير صوتها..
قلت لها أبلغي سلامي لسالم.. فقالت إن شاء الله.. وسكتت.. أخيرا عدت إلى المنزل.. طرقت الباب.. تمنيت أن يفتح لي سالم.. لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.. حملته بين ذراعي وهو ېصرخ بابا.. يابا..
لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.. استعذت بالله من الشيطان
الرجيم.. أقبلت إلي زوجتي.. كان وجهها متغيرا.. كأنها تتصنع الفرح.. تأملتها جيدا.. ثم سألتها ما بك قالت لا شيء.. فجأة تذكرت سالما.. فقلت.. أين سالم خفضت رأسها..
لم تجب.. سقطت دمعات حارة على خديها.. صړخت بها.. سالم.. أين سالم.. لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد.. يقول بلثغته بابا.. ثالم لاح الجنة.. عند الله.. لم تتحمل زوجتي الموقف.. أجهشت بالبكاء.. كادت أن تسقط على الأرض.. فخرجت من الغرفة..
عرفت بعدها أن سالم أصابته حمى قبل موعد مجيئي بأسبوعين.. فأخذته زوجتي إلى المستشفى.. فاشتدت عليه الحمى.. ولم تفارقه.. حتى فارقت روحه جسده.. أحسست أن ما حدث ابتلاء واختبار من الله سبحانه وتعالى أجل إنه اختبار وأي اختبار!
صبرت على مصاپي وحمدت الله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. ما زالت أحس بيده تمسح دموعي وذراعه تحيطني.. كم حزنت على سالم الأعمى الأعرج!!! لم يكن أعمى أنا من كنت أعمى حين انسقت وراء رفقة سوء ولم يكن أعرج لأنه استطاع أن يسلك طريق الإيمان رغم كل شيء.. سالم الذي امتنعت يوما عن حبه!!
اكتشفت أني أحبه أكثر من أخوته!!! بكيت كثيرا كثيرا ومازلت حزيناكيف لا أحزن وقد كانت هدايتي على يديه! متأكدا لو أنكم عرفتم سالم ستحبونه أكثر مما أحببناه إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف
... يا الله إذا بارت الحيل وضاقت السبل وانتهت الآمال وتقطعت الحبال نادي... يا الله لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم

تم نسخ الرابط