البدوي والتاجر
بعد قرابة 20 سنة ذهبت بحملة سيارات من الميناء إلى القصيم لإيصال سيارات إلى وكالة المشيقح.
كانت السيارات ذلك الزمن تحتاج إلى التبريد.. (والتبريد هو أن توقف السيارة فترة مع رفع غطاء ماكينتها حتى تبرد).
توقفنا في أطراف عنيزة لتبريد سياراتنا، ونزلت أتريض في بعض بساتينها، لقد تغيّرت عنيزة، ولك أن تتخيل ماذا فعلت الطفرة بالمدن السعودية.
فيما أنا في تلك المزرعة إذ بصاحبها يقترب مني ويسلم علي، فسلمت عليه، وأخبرته أننا مجموعة من السائقين نبرّد سياراتنا، وأني دخلت أتريض هنا.
فقال صاحب المزرعة: قل لأصحابك ألا يطبخوا شيئًا للغداء، وأخبرهم بأنّ غداءهم عندي هنا في المزرعة.
اعتذرت قليلًا فألحّ كثيرًا.
وفيما أنا أتريَّض معه في المزرعة خطرت لي قصة محزم الړصاص وذلك التاجر، فقلت له: يا عم؛ لي عن عنيزة 20 سنة، ولي فيها قصة هي كيت وكيت.
فقال الشيخ صاحب المزرعة: هل تذكر شكل التاجر؟
قلت: لا.
فقال: هل تذكر أمارةً فارقة تذكرك به؟
فقلت: بجوار دكانه نخلة.
فقال الشيخ: وصلت، وأتى الله بك فقد كنت أنتظرك، وكتبت أمرك في وصيتي، وذاك أني بعتُ محزم الړصاص بـ 50 ريالًا، وهذا هو ثمنه الحقيقي، فأدخلت العشرة ريالات لك في تجارتي، وقد نما لك منها شيء.
ثم سحبني من يدي ، وأخذني إلى فضاء واسع في المزرعة مليء بالأغنام وقال: هذه الأغنام كلها لك يا بني من عشرة ريالات قبل 20 سنة.
اعترتني رعشة من أمانته..
فقلت: لا آخذ شيئًا.
فقال: والله لا أتركك.
فقلت: النصيفة بيننا لترضى..
فقال : كما تريد، فقد أزاح مجيئك عني همًّا طويلًا.
العجب كل العجب من الاثنين رغم طول الأمد.
العجب من التاجر لأمانته، ومن صاحب المحزم لسخائه.