اشتريت هاتفا جديدا بقلم محمد سليماني

موقع أيام نيوز

اشتريت هاتفا قديما من عجوز في السوق كان الهاتف مغطى بالأتربة وتكسوه خيوط العنكبوت كأنه منذ عصور مضت لم تمسه يد.
قال العجوز بوجه حزين وصوت يحمل شجن الزمن
هذا الهاتف كان لابنتي ميساء... أرجو أن تعتني به.
لم أعر كلماته اهتماما إذ بدت لي كأنها مجرد إشارة عابرة تحمل طيفا من الأسى.
شحنت الهاتف تلك الليلة وما إن أضاءت شاشته حتى انهالت الرسائل كالسيل. رسائل مليئة بعبارات غامضة وأحاديث مشوشة. وفي منتصف الليل رن الهاتف وظهر على الشاشة اسم ميساء.

قالت شكرا لأنك أعدت الروح إلى كياني مجددا
كلماتها حملت دفء غامضا لكنها تركتني في حيرة كأنني في دهاليز الماضي.
كيف لاسم أن ينبض بالحياة عبر شاشة هاتف كانت مكالمة قصيرة و لكنها مشحونة بمعان تتجاوز الكلمات. شيئا فشيئا أصبحت أصواتها وضحكاتها رفيقة الليل نافذة إلى عالم مجهول معلق بين الواقع والخيال.
وذات ليلة عدت مرهقا من العمل أضأت المطبخ فوجدت العشاء مرتبا بعناية فائقة كأن يدا غير مرئية رتبت كل شيء.
شعرت بروح تملأ المكان كأن هناك أنثى بروح الأمومة تراقبني بصمت. عندها بدأ يتسلل إلى ذهني أن ميساء ليست مجرد ذكرى طيفية تسكن هاتفا قديما.
كانت تحكي لي كل ليلة عن الحياة بنبرة دافئة مثقلة بالحكمة كأنها ترى العالم من مقام بعيد يتجاوز الزمان والمكان.
أصغيت إليها كطفل يتعلم من جديد لكن أحيانا كانت تتوقف فجأة ټغرق في صمت مترقب وكأنها تبتلع أثقال الزمن.
قالت لي كم من مرة اين ابي و لم أكن اجبها خفت أن اخسرها
وذات ليلة جمعت شجاعتي وسألتها
لماذا تبحثين عن والدك
سقط سؤالي كالصاعقة في فضاء الظلمات. ساد صمت عميق لبرهة ثم جاء صوتها مليئا بحزن مرير يشبه الرياح الچارحة
لأنه كان السبب في مۏتي.
تجمد الهواء من حولي وشعرت وكأن كلماتها نسجت شبكة ثقيلة تحبسني داخلها. صدى عبارتها مزق السکينة في نفسي وأحدث في داخلي شرخا عميقا
حاولت استكشاف الحقيقة أكثر لكننها أحكمت جدران الصمت من حولها وكأنها تخشى أن تفتح أبوابا إلى ماض ممزق.
مرت الليالي وأصبحت ميساء أكثر من مجرد صوت في الهاتف. كانت تسكن أحلامي تطمئن علي كل ليلة وتتركني غارقا في بحر من التساؤلات الحائرة.
من هي ميساء ولماذا والدها كان سببا في مۏتها
كلما حاولت الاقتراب من الإجابة. أحاطني شعور غريب كأن الإجابة تحمل معها عالما لا يمكنني تحمله.
بقلم محمد سليماني
مشاركة من صديق الصفحة

تم نسخ الرابط